احمد ذيبان
الشهداء هم الأكثر تضحية في مسيرة حركات التحرر الوطني ، يليهم الأسرى الذين يواجهون أقسى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي ، لكنهم يبقون شعلة تضيء مسيرة النضال ، وهو ما يفعله آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، الذين بدأوا إضرابا عن الطعام منذ 3 أسابيع ، فيما سمي إضراب «الحرية والكرامة».
تضحيات هؤلاء يتم سرقتها في حالات عديدة ! وهو ما شخصه الأديب الجزائري الراحل الطاهر وطار في رائعته..»الشهداء يعودون هذا الاسبوع «، التي تعرّي أقنعة كثيرة تصنعت الوفاء والعرفان للشهداء ، وما بذلوه لكي يحرروا وطنهم ، وهؤلاء هم حسب الرواية «الانتهازيون والجبناء والمرتزقة وزوجة الشهيد وابنه وأقاربه وجيرانه «،الذين يمضون في استثمار تلك التضحيات ،وضخ المزيد من الأموال إلى أرصدتهم. واقتنصوا الفرص وتسيدوا المناصب الكبرى.. كلهم اجتمعوا على منع الشهداء من العودة إلى الحياة ، كي لا يكشفوا تصرفاتهم الدنيئة وبيعهم لدماء الشهداء»
وفي الحالة الفلسطينية يمكن إسقاط مضامين الرواية ، حيث المتاجرة بدماء الشهداء ومعاناة الأسرى ، من عديد السياسيين الانتهازيين والفاسدين والمتعاونين مع الاحتلال الذين يتولون ادارة السلطة ، بل ثمة مؤشرات على أن بعض هؤلاء يزعجهم إضراب الأسرى لانه يضعهم في حرج سياسي، في مواجهة حملة التضامن الشعبية الواسعة التي تطالب السلطة الفلسطينية، بالتحرك سياسيا ودبلوماسيا على الصعيد الدولي ، لإجبار الاحتلال على الاستجابة لمطالب الاسرى المحقة ، وهي بالمجمل حقوق انسانية أساسية أقرتها القوانين والاتفاقيات الدولية.
إضراب الأسرى عن الطعام يشكل رافعة قوية ، لتحرك سياسي لتحسين ظروفهم وتحريرهم ، وإعادة وضع القضية الفلسطينية في صدارة أجندة السياسة الدولية ، بعد تراجع الاهتمام بها على الصعيدين العربي والدولي، فيما تصدرت قضية «الحرب على الارهاب» أجندة السياسة الدولية، لكن من سخريات القدر أن دولة الاحتلال التي تمارس « إرهاب الدولة»، بحق الشعب الفلسطيني ، تزعم أنها شريك في الحرب العالمية على الارهاب ، وهي تعني بالارهاب مقاومة الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال وكانت المفاجأة الصادمة أن الرئيس الاميركي ترامب ،وصف الأسرى ب «الارهابيين»، خلال لقائه الرئيس محمود عباس قبل أيام .
حملات التضامن الشعبية مع الاسرى مهمة ، ويسجل لرئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص «88» عاما ، تضامنه مع الأسرى بالاضرب عن الطعام ليوم واحد ، كمبادرة رمزية لحث الزعماء العرب على التضامن معهم. لكن مهما يقال ويكتب من إشادة بنضالات الأسرى وصمودهم ، فان ذلك لا يرقى الى جزء بسيط مما يقدمونه ، من تضحيات ومعاناة انسانية هائلة، وما يتعرضون له من ضغوط جسدية ونفسية ، وهي السبب المباشر لتنظيم الاضراب ، للمطالبة بحزمة حقوق أساسية تتعلق بأساليب معاملتهم، وشروط حياتهم وصحتهم وتغذيتهم وإهمال معالجة المرضى، وهناك الكثير منهم يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة ، فضلا عن تعرضهم لعقوبات تعسفية ، مثل الحبس الانفرادي والتضييق على فترات الفُسَح، بالاضافة الى عرقلة الزيارات العائلية.
وميزة الاضراب أنه يشارك فيه أسرى من مختلف الفصائل ، ويتجاوز الفئوية والانقسام الذي يعصف بالعمل الوطني الفلسطيني منذ عشر سنوات ، وهم بذلك يوجهون رسالة سياسية الى القيادات الفلسطينية ، لكي تعمل بصدق لانهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية. ورسالة أخرى موجهة للانظمة والشعوب العربية ،المنشغلة بالحروب والصراعات الداخلية.
سبعة ألاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال اليوم ، بينهم «340» طفلا و»82» أمرأة ، وخلال مسيرة النضال الوطني ، تعرض عشرات الالاف من الفلسطينيين للأسر والاعتقال التعسفي والتعذيب الجسمي والنفسي ، ورغم ذلك لم تنكسر إرادة الحياة والصمود وتحدي الاحتلال ،وأحد النماذج البطولية المشرفة عميدة الأسيرات الفلسطينيات « لينا الجربوني» ، التي تم الافراج عنها في اليوم السابق لبدء الاضراب ، حيث قضت في السجن 15 عاما بتهمة مساعدة المقاومة، ووضعت في العزل الانفرادي، وتفاقم وضعها الصحي جراء الإهمال الطبي ، ومع ذلك لم تنهزم وتحولت إلى متحدثة ومدافعة عن حقوق الأسيرات الفلسطينيات، وأسهمت في تعليمهن اللغة العبرية والتطريز والخياطة، وكذلك إقامة دورات عديدة منها أحكام التجويد والتفسير.
[email protected]